الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الماوردي: قوله عز وجل: {قُل لَّوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ} يعني القرآن:{وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ} فيه ثلاثة أوجه:أحدها: ولا أعلمكم به، قاله ابن عباس.الثاني: ولا أنذركم به، قاله شهر بن حوشب.الثالث: ولا أشعركم به، قاله قتادة.{فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ} فيه وجهان:أحدهما: أنه أراد ما تقدم من عمره قبل الوحي إليه لأن عمر الإنسان مدة حياته طالت أو قصرت.الثاني: أنه أربعون سنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بعد الأربعين وهو المطلق من عمر الإنسان، قاله قتادة.{أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أني لم أدَّع ذلك بعد أن لبثت فيكم عمرًا حتى أُوحِي إليّ، ولو كنت افتريته لقدمته. اهـ..قال ابن عطية: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ} هذه من كمال الحجة أي هذا الكلام ليس من قبلي ولا من عندي وإنما هو من عند الله، ولو شاء ما بعثني به ولا تلوته عليكم ولا أعلمتكم به، و{أدراكم} بمعنى أعلمكم يقال دريت بالأمر وأدريت غيري، وهذه قراءة الجمهور، وقرأ ابن كثير في بعض ما روي عنه: {ولا دراكم به} وهي لام تأكيد دخلت على أدرى، والمعنى على هذا ولا علمكم به من غير طريقي وقرأ ابن عباس وابن سيرين وأبو رجاء والحسن {ولا أدرأتكم به}، وقرأ ابن عباس أيضًا وشهر بن حوشب، {ولا أنذرتكم به}، وخرج الفراء قراءة ابن عباس والحسن على لغة لبعض العرب منها قولهم: لبأت بمعنى لبيت، ومنها قول امرأة منهم: رثأت زوجي بأبيات أي رثيت، وقال أبو الفتح إنما هي {أدريتكم} قلبت الياء ألفًا لانفتاح ما قبلها، وروينا عن قطرب: أن لغة عقيل في أعطيتك أعطأتك، قال أبو حاتم: قلبت الياء ألفًا كما في لغة بني الحارث بن كعب: السلام علاك، ثم قال: {فقد لبثت فيكم عمرًا من قبله} أي الأربعين سنة قبل بعثته عليه السلام، ويريد لم تجربوني في كذب ولا تكلمت في شيء من هذا {أفلا تعقلون} أن من كان على هذه الصفة لا يصح منه كذب بعد أن كلا عمره وتقاصر أمله واشتدت حنكته وخوفه لربه، وقرأ الجمهور بالبيان في {لبثت} وقرأ أبو عمرو: {لبت} بإدغام الثاء في التاء. اهـ..قال ابن الجوزي: قوله تعالى: {قل لو شاء الله ما تلوته عليكم} يعني القرآن؛ وذلك أنه كان لا يُنزله عليّ، فيأمرني بتلاوته عليكم.{ولا أدراكم به} أي: ولا أعلمكم الله به.قرأ ابن كثير: {وَلأَدْرَاكم} بلام التوكيد من غير ألف بعدها، يجعلها لامًا دخلت على {أدراكم}.وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم: {أدريكم} بالإِمالة.وقرأ الحسن وابن أبي عبلة وشيبة بن نِصاح: {ولا أدرأتُكم} بتاء بين الألف والكاف.{فقد لبثْتُ فيكم عُمُرًا} وقرأ الحسن، والأعمش: {عُمْرًا} بسكون الميم.قال أبو عبيدة: وفي العمر ثلاث لغات: عُمْر، وعُمُر، وعَمْر.قال ابن عباس: أقمت فيكم أربعين سنة لا أحدثِّكم بشيء من القرآن {أفلا تعقلون} أنه ليس من قِبَلي. اهـ..قال القرطبي: قوله تعالى: {قُل لَّوْ شَاءَ الله مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ} أي لو شاء الله ما أرسلني إليكم فتلوت عليكم القرآن، ولا أعلمكم الله ولا أخبركم به؛ يقال: دَرَيْتُ الشيء وأدراني الله به، ودرَيته ودريت به.وفي الدارية معنى الختل؛ ومنه دريت الرجل أي ختلته، ولهذا لا يطلق الداري في حق الله تعالى وأيضًا عدم فيه التوقيف.وقرأ ابن كثير: {ولأدراكم به} بغير ألف بين اللام والهمزة؛ والمعنى: لو شاء لأعلمكم به من غير أن أتلوه عليكم؛ فهي لام التأكيد دخلت على ألف أفعل.وقرأ ابن عباس والحسن {ولا أدراتكم به} بتحويل الياء ألفًا، على لغة بني عقيل؛ قال الشاعر:وقال آخر: قال أبو حاتم: سمعت الأصمعيّ يقول سألت أبا عمرو بن العلاء: هل لقراءة الحسن {ولا أدراتكم به} وجه؟ فقال لا.وقال أبو عبيد: لا وجه لقراءة الحسن {ولا أدراتكم به} إلا الغلط.قال النحاس: معنى قول أبي عبيد: لا وجه، إن شاء الله على الغلط؛ لأنه يقال: دريت أي علمت، وأدريت غيري، ويقال: درأت أي دفعت؛ فيقع الغلط بين دريت ودرأت.قال أبو حاتم: يريد الحسن فيما أحسِب {ولا أدريتكم به} فأبدل من الياء ألفًا على لغة بني الحارث بن كعب، يبدلون من الياء ألفًا إذا انفتح ما قبلها؛ مثل، {إِنْ هذان لَسَاحِرَانِ} [طه: 63].قال المهدويّ: ومن قرأ {أدرأتكم} فوجهه أن أصل الهمزة ياء، فأصله {أدريتكم} فقلبت الياء ألفًا وإن كانت ساكنة؛ كما قال: يايس في ييّس وطايئ في طيئ، ثم قلبت الألف همزة على لغة من قال في العالم العألم وفي الخاتم الخأتم.قال النحاس: وهذا غلط، والرواية عن الحسن {ولا أدرأتكم} بالهمزة، وأبو حاتم وغيره تكلم أنه بغير همز، ويجوز أن يكون من درأت أي دفعت؛ أي ولا أمرتكم أن تدفعوا فتتركوا الكفر بالقرآن.قوله تعالى: {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا} ظرف، أي مقدارًا من الزمان وهو أربعون سنة.{مِّن قَبْلِهِ} أي من قبل القرآن، تعرفونني بالصدق والأمانة، لا أقرأ ولا أكتب، ثم جئتكم بالمعجزات.{أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أن هذا لا يكون إلا من عند الله لا من قِبلي.وقيل: معنى {لَبِثْت فِيكُمْ عُمُرًا} أي لبثت فيكم مدّة شبابي لم أعص الله، أفتريدون مني الآن وقد بلغت أربعين سنة أن أُخالف أمر الله، وأُغيّر ما ينزله عليّ.قال قتادة: لبث فيهم أربعين سنة، وأقام سنتين يرى رؤيا الأنبياء، وتُوفّيَ صلى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتين وستين سنة. اهـ. .قال الخازن: قوله سبحانه وتعالى: {قل} أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين طلبوا منك تغيير القرآن وتبديله {لو شاء الله ما تلوته عليكم} يعني لو شاء الله لم ينزل علي هذا القرآن ولم يأمرني بقراءته عليكم {ولا أدراكم به} قال ابن عباس: ولا أدراكم الله به ولا أعلمكم به {فقد لبثت فيكم عمرًا من قبله} يعني فقد مكثت فيكم قبل أن يوحى إلي هذا القرآن مدة أربعين سنة لم آتكم بشيء ووجه هذا الاحتجاج أن كفار مكة كانوا قد شاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه وعلموا أحواله وأنه كان أميًا لم يطالع كتابًا ولا تعلم من أحد مدة عمره قبل الوحي وذلك أربعون سنة ثم بعد الأربعين جاءهم بهذا الكتاب العظيم المشتمل على نفائس العلوم وأخبار الماضين وفيه من الأحكام والآداب ومكارم الأخلاق والفصاحة والبلاغة ما أعجز البلغاء والفصحاء عن معارضته فكل من له عقل سليم وفكر ثاقب يعلم أن هذا لم يحصل إلا بوحي من الله تعالى لا من عند نفسه وهو قوله: {أفلا تعقلون} يعني أن هذا القرآن من عند الله أوحاه إليّ لا من قبل نفسي.(ق) عن ابن عباس قال: أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة فمكث ثلاث عشرة سنة يوحى إليه ثم أمر بالهجرة فهاجر إلى المدينة فمكث بها عشر سنين ثم توفي صلى الله عليه وسلم: في رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة، وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة، وفي رواية أن النبي أقام بمكة خمس عشرة سنة يسمع الصوت ويرى الضوء سبع سنين ولا يرى شيئًا وثمان سنين يوحى إليه وأقام بالمدينة عشرًا أو توفي وهو ابن خمس وستين سنة أخرجاه في الصحيحين.(ق) عن عائشة قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة. أخرجاه في الصحيحين.(م) عن أنس قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين وعمر وهو ابن ثلاث وستين أخرجه مسلم.(ق) عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال سمعت أنس بن مالك يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كان ربعة من القوم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير أزهر اللون ليس بالأبيض الأمهق ولا بالآدم ليس بجعد قطط ولا سبط رجل أنزل عليه الوحي وهو ابن أربعين سنة فلبث بمكة عشر سنين ينزل عليه الوحي وبالمدينة عشرًا وتوفاه الله على رأس ستين سنة وليس في رأسه ولحيته عشرون شعره بيضاء.أخرجاه في الصحيحن قال الشيخ محيي الدين النووي: ورد في عمره صلى الله عليه وسلم ثلاث روايات إحداها أنه صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ستين سنة والثانية خمس وستون سنة والثالثة ثلاث وستون سنة وهو أصحها وأشهرها رواها مسلم من حديث أنس وعائشة وابن عباس واتفق العلماء على أن أصحها ثلاث وستون سنة وتأولوا الباقي عليه فرواية ستين سنة اقتصر فيها على العقود وترك الكسر ورواية الخمس متأولة أيضًا بأنها حصل فيها اشتباه.قوله: يسمع الصوت، يعني صوت الهاتف من الملائكة ويرى الضوء يعني شوء الملائكة أو نور آيات الله حتى رأى الملك بعينه وشافه بالوحي من الله وقوله ليس بالأبيض الأمهق المراد به الشديد البياض كلون الجص وهو كريه المنظر وربما توهم الناظر أنه برص.والمراد: أننه كان أزهر اللون البياض والحمرة. اهـ..قال أبو حيان: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ} هذه مبالغة في التبرئة مما طلبوا منه أي: إنّ تلاوته عليهم هذا القرآن إنما هو بمشيئة الله تعالى وإحداثه أمرًا عجيبًا خارجًا عن العادات، وهو أن يخرج رجل أمي لم يتعلم ولم يستمع ولم يشاهد العلماء ساعة من عمره، ولا نشأ في بلدة فيها علماء فيقرأ عليكم كتابًا فصيحًا يبهر كلام كل فصيح، ويعلو على كل منثور ومنظوم، مشحونًا بعلوم من علوم الأصول والفروع، وإخبار ما كان وما يكون، ناطقًا بالغيوب التي لا يعلمها إلا الله تعالى، وقد بلغ بين ظهرانيكم أربعين سنة تطلعون على أحواله ولا يخفي عليكم شيء من أسراره، وما سمعتم منه حرفًا من ذلك، ولا عرّفه به أحد من أقرب الناس إليه وألصقتم به.ومفعول شاء محذوف أي؛ قل لو شاء الله أن لا أتلوه، وجاء جواب لو على الفصيح من عدم إتيان اللام، لكونه منفيًا بما، ويقال: دريت به، وأدريت زيدًا به، والمعنى: ولا أعلمكم به على لساني.وقرأ قنبل والبزي من طريق النقاش عن أبي ربيعة عنه: ولأدراكم بلام دخلت على فعل مثبت معطوف على منفي، والمعنى: ولأعلمكم به من غير طريقي وعلى لسان غيري، ولكنه يمن على من يشاء من عباده، فخصني بهذه الكرامة ورآني لها أهلًا دون الناس.وقراءة الجمهور: ولا أدراكم به فلا مؤكدة، وموضحة أنّ الفعل منفي لكونه معطوفًا على منفي، وليست لا هي التي نفي الفعل بها، لأنه لا يصح نفي الفعل بلا إذا وقع جوابًا، والمعطوف على الجواب جواب.وأنت لا تقول: لو كان كذا لا كان كذا، إنما يكون ما كان كذا.وقرأ ابن عباس، وابن سيرين، والحسن، وأبو رجاء: ولا ادرأتكم به بهمزة ساكنة، وخرجت هذه القراءة على وجهين: أحدهما: أن الأصل أدريتكم بالياء فقلبها همزة على لغة من قال: لبأت بالحج، ورثأت زوجي بأبيات، يريد: لبيت ورثيت.وجاز هذا البدل لأنّ الألف والهمزة من واد واحد، ولذلك إذا حركت الألف انقلبت همزة كما قالوا في العالم العألم، وفي المشتاق المشتأق.والوجه الثاني: أن الهمزة أصل وهو من الدرء، وهو الدفع يقال: درأته دفعته، كما قال: {ويدرأ عنها العذاب} ودرأته جعلته دارئًا، والمعنى: ولأجعلنكم بتلاوته خصماء تدرؤونني بالجدال وتكذبونني.وزعم أبو الفتح إنما هي أدريتكم، فقلب الياء ألفًا لا نفتاح ما قبلها، وهي لغة لعقيل حكاها قطرب يقولون في أعطيتك: أعطأتك.وقال أبو حاتم: قلب الحسن الياء ألفًا كما في لغة بني الحرث بن كعب السلام علاك، قيل: ثم همز على لغة من قال في العالم العألم.وقرأ شهر بن خوشب والأعمش {ولا أندرتكم به} بالنون والذال من الإنذار، وكذا هي في حرف ابن مسعود، ونبّه على أنّ ذلك وحي من الله تعالى بإقامته فيهم عمرًا وهو أربعون سنة من قبل ظهور القرآن على لساني يافعًا وكهلًا، لم تجربوني في كذب، ولا تعاطيت شيئًا من هذا، ولا عانيت اشتغالًا، فكيف أتهم باختلاقه؟ أفلا تعقلون أنّ من كان بهذه الطريقة من مكثه الأزمان الطويلة من غير تعلم، ولا تتلمذ، ولا مطالعة كتاب، ولا مراس جدال، ثم أتى بما ليس يمكن أن يأتي به أحد، ولا يكون إلا محقًا فيما أتى به مبلغًا عن ربه ما أوحى إليه وما اختصه به؟ كما جاء في حديث هرقل: هل جربتم عليه كذبًا؟ قال: لا فقال: لم يكن ليدع الكذب على الخلق ويكذب على الله.وأدغم ثاء لبثت أبو عمرو، وأظهرها باقي السبعة.وقرأ الأعمش: {عمرًا} بإسكان الميم، والظاهر وعود الضمير في من قبله على القرآن.وأجاز الكرماني أنْ يعود على التلاوة، وعلى النزول، وعلى الوقت يعني: وقت نزوله. اهـ.
|